من الدوحة.. الأمم المتحدة تدعو لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مكافحة الفساد
من الدوحة.. الأمم المتحدة تدعو لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مكافحة الفساد
انطلقت الاثنين في العاصمة القطرية الدوحة فعاليات أكبر مؤتمر عالمي معني بمكافحة الفساد، في لحظة دولية بالغة الحساسية تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية مع التحديات التكنولوجية المتسارعة، ويفتح المؤتمر الذي يجمع ممثلين عن الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والخبراء من مختلف أنحاء العالم نقاشا معمقا حول سبل مواجهة الفساد باعتباره خطرا عابرا للحدود يهدد التنمية والاستقرار والعدالة الاجتماعية.
وتأتي هذه الدورة وسط دعوات واضحة إلى توظيف التكنولوجيات الناشئة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، كأدوات فاعلة لكشف الفساد ومنعه ومعالجة ارتباطه بالجريمة المنظمة والجرائم المالية المعقدة، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
رسالة أممية حازمة
في افتتاح الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة مصورة حملت نبرة تحذير واضحة من خطورة جرائم الفساد، وأكد غوتيريش أن الفساد ليس جريمة بلا ضحايا، بل ظاهرة مدمرة تغذي الصراعات المسلحة، وترسخ عدم المساواة، وتستنزف الموارد التي تحتاج إليها المجتمعات لحماية الإنسان والبيئة، وشدد على أن كل دولار يضيع بسبب الجرائم الاقتصادية هو في الحقيقة دولار مسروق من مستقبل الناس الذين يعملون بجد من أجل حياة أفضل وأكثر كرامة.
التكنولوجيا بين الخطر والفرصة
لفت الأمين العام إلى أن التكنولوجيات الناشئة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تمثل سلاحا ذا حدين في معركة النزاهة، فمن جهة، يمكن أن تسهم هذه الأدوات في تسريع وتيرة الفساد إذا أسيء استخدامها أو غابت عنها الرقابة، ومن جهة أخرى تملك القدرة على إحداث تحول جذري في كشف الممارسات الفاسدة ومنعها وتعزيز الشفافية، غير أن غوتيريش شدد على أن الاستفادة من هذه الإمكانات تتطلب أطراً تنظيمية واضحة وآليات مساءلة صارمة تضمن استخدام التكنولوجيا لصالح الصالح العام لا ضده.
من جانبها، أكدت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة أنالينا بيربوك، في رسالة مصورة، أن مكافحة الفساد ليست خيارا سياسيا بل واجباً أخلاقياً جماعياً، وقالت إن منع الفساد والقضاء عليه في نهاية المطاف هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع الدول والمؤسسات، مضيفة أن هذا الالتزام هو دين مستحق للشعوب التي يفترض أن تخدمها الحكومات وتحمي مصالحها.
الفساد والجريمة المنظمة
ألقى المدير التنفيذي بالإنابة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة جون براندولينو الضوء على العلاقة الوثيقة بين الفساد والجريمة المنظمة، وأوضح أن الفساد يوفر البنية التحتية غير المشروعة التي تمكّن الجماعات الإجرامية من العمل والتربح دون عقاب في مختلف أنحاء العالم، وأكد أن هذه الشبكات لا يمكن تفكيكها بجهود متفرقة أو معزولة، بل تتطلب نهجا متكاملا ومنسقا تتعاون فيه الوكالات عبر القطاعات والحدود، وبمشاركة جميع الشركاء المعنيين، للقضاء على الجريمة والتواطؤ بشكل متزامن.
دعوة إلى تنسيق دولي أوسع
دعا براندولينو الدول الأطراف إلى الاستفادة القصوى من المبادرات والأدوات التي يوفرها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في مجال مكافحة الفساد، وحث المشاركين على استغلال هذه الدورة لإعادة تأكيد الرؤية العالمية لعصر جديد من تطبيق اتفاقية مكافحة الفساد، يقوم على التعاون العملي وتبادل الخبرات وتحويل الالتزامات النظرية إلى إصلاحات ملموسة يشعر بها المواطنون في حياتهم اليومية.
تنعقد الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في قطر تحت شعار “تشكيل نزاهة الغد”، وتستمر لمدة أسبوع كامل بمشاركة أكثر من 2000 شخص يمثلون 170 دولة طرفا في الاتفاقية، ويعكس هذا الحضور الواسع حجم التحدي العالمي الذي يمثله الفساد، والرغبة المشتركة في البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة.
مشاركة قطرية ودولية رفيعة
شهدت الجلسة الافتتاحية كلمات رفيعة المستوى، حيث ألقى رئيس وزراء دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني كلمة أكد فيها التزام بلاده بدعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الشفافية والنزاهة، كما تحدثت الرئيسة المنتهية ولايتها للدورة العاشرة كريستين كلاين من الولايات المتحدة، والرئيس المنتخب للدورة الحادية عشرة حمد بن ناصر المسند من قطر، في تأكيد على استمرارية العمل الجماعي وتبادل القيادة في هذا المسار الدولي.
تركز القرارات التي تناقشها الدول الأطراف خلال المؤتمر على مجموعة من القضايا المحورية، أبرزها دور الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة في منع الفساد ومكافحته، وتعزيز حماية الأطفال والشباب من آثار الفساد، وتحسين الشفافية في تمويل الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية، كما تتناول النقاشات دور الفساد في تسهيل جرائم أخرى مثل تهريب المهاجرين والجرائم التي تلحق أضرارا جسيمة بالبيئة، بما يعكس الترابط الوثيق بين الفساد وبقية التحديات العالمية.
أثر الفساد على حياة الناس
يؤكد المشاركون أن خطورة الفساد لا تكمن فقط في الخسائر المالية، بل في آثاره العميقة على حياة البشر اليومية. فالفساد يحرم المجتمعات من مدارس أفضل ومستشفيات أكثر كفاءة وبنى تحتية آمنة، ويقوض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ويدفع الفئات الأضعف ثمنا مضاعفا، ومن هنا تأتي أهمية التركيز على البعد الإنساني في سياسات مكافحة الفساد، وربط النزاهة بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
تعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الصك العالمي الوحيد الملزم قانونا لمواجهة هذه الجريمة، وقد دخلت حيز النفاذ في ديسمبر 2005. وتضم الاتفاقية اليوم 192 دولة طرفا، ما يجعلها شبه عالمية من حيث الانتشار والالتزام، وبموجبها، تلتزم الدول بمنع الفساد وتجريمه، وتعزيز التعاون الدولي، واسترداد الأصول المسروقة، وتحسين المساعدة التقنية وتبادل المعلومات بين القطاعين العام والخاص، ومن خلال آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية، وافقت الدول الأطراف على تقييم مدى وفائها بالتزاماتها، وهو ما ساعد منذ عام 2010 نحو 146 دولة على تحديث أو استحداث قوانين وسياسات جديدة لمكافحة الفساد، ويضطلع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بدور محوري في دعم الدول لتحويل هذه الالتزامات إلى إصلاحات عملية تعزز الشفافية والمساءلة وتحمي الموارد العامة، ويظل مؤتمر الدول الأطراف، الذي يعقد كل عامين، المنصة الرئيسية لصنع القرار وتوجيه الجهود العالمية نحو عالم أكثر نزاهة وعدلا.











